تعرض العالم لسلسلة من الصدمات التي أحدثت حالة من الاضطراب واسع النطاق لسلاسل الإمداد العالمية، وهو ما دفع الحكومات في جميع أرجاء العالم إلى التفكير الجاد في تعزيز مستويات مرونة شبكات الإمداد وقدرتها على تحمل الصدمات ولاسيما في مجال الصناعات التقنية والرقمية. وإذْ يشهد هذا المجال منافسة شرسة بين مختلف دول العالم رغبةً في إنشاء بيئات عمل داعمة لتوطين الصناعة بما يعزز من مرونتها واستقلاليتها في توفير احتياجاتها، فإن الأمر يتطلب من حكومات الشرق الأوسط الساعية لتنويع وتوطين اقتصادها أن تختار القطاعات التقنية والرقمية التي تتطلع لبنائها بكل عناية، علاوةً على اتخاذ التدابير اللازمة لاستقطاب شركات التقنية العالمية الراغبة في التواجد بالمنطقة.
وفقًا للتقرير الصادر مؤخرًا عن ستراتيجي& الشرق الأوسط – جزء من شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز – بعنوان "توطين صناعات التقنية الفائقة لتعزيز القدرة على تحمل الصدمات والنمو الاقتصادي" يمكن لمنطقة الشرق الأوسط تحقيق إيرادات تقدر بنحو 125 مليار دولار بحلول عام 2025م من خلال التركيز على تصنيع ثلاث فئات أساسية من المستلزمات التقنية - وهي المواد والمكونات والمنتجات المتقدمة – وهي فرصة ذهبية ينبغي على دول المنطقة استغلالها لتوطين أكبر حصة ممكنة من هذه القيمة بدلًا من استيراد المنتجات من الخارج.
وفي هذا الصدد، صرح أليساندرو بورجونيا الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط قائلًا "لقد أثبتت جائحة فيروس كورونا المستجد - بما لا يدع مجالًا للشك - مدى حساسية الأسواق وقابليتها للتأثر الشديد بسبب اضطراب سلاسل الإمداد، كما كانت بمثابة اختبار حقيقي لقدرة المنطقة على تحمل الصدمات، حيث كان من الصعب أو المستحيل على الشركات تأمين كافة المكونات الضرورية التي أصبحت تعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا في الوقت الراهن وهو ما يجعل توطين الصناعات التقنية والرقمية مسألة جوهرية باعتبارها وسيلة فعالة لتأمين القطع والمنتجات التي تعد جزءً لا يتجزأ من النشاط الاقتصادي وأنشطة مؤسسات الأعمال."
وفي سياقٍ متصل، علق شادي سمـيْرة – الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط- قائلًا: "ثمة منافسة شرسة بين دول العالم لتأسيس بيئات عمل وطنية داعمة للصناعات التقنية لتلبية الطلب المقيد والعالمي، وهو ما يتطلب من حكومات الشرق الأوسط اتخاذ قرارات صحيحة ومدروسة بشأن مجالات العمل الواعدة التي يمكنها النجاح فيها."
تقوم بيئات العمل الداعمة للصناعات التقنية والرقمية على مجموعة من الركائز ومن بينها:
ووفقًا لما صرحت به مها رعد – المديرة الأولى في ستراتيجي& الشرق الأوسط – يمكن للشركات التي تستثمر بكثافة في مجال البحث والتطوير أن تضمن لنفسها وضعًا ومكانةً خاصة بالنظر إلى تسارع وتيرة وحدة التغيير الذي يشهده قطاع الصناعات التقنية، فهذه الشركات مهيأة للاحتفاظ بمكانتها الريادية وضمان الجدوى المالية على الأجل الطويل.
جدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط شهدت تأسيس شركة نيوم التقنية الرقمية القابضة في عام 2021م كأول شركة تابعة خارج مدينة نيوم، وتعمل هذه الشركة حاليًا على إنشاء بنية تحتية رقمية متقدمة، كما تركز استراتيجية الصناعة والابتكار لدولة الإمارات العربية المتحدة – بقيادة مبادلة – على توطين منتجات التقنية الفائقة.
وختامـًا علقت رعد قائلة "لتعزيز فرص نجاح استراتيجية التوطين، ينبغي على الحكومات استهداف الشركات الناشئة التي تعمل على تحقيق الابتكار باستخدام أحدث التقنيات أو استقطاب الشركات الكبرى التي تحتل موقعًا رياديًا في قطاعاتها حيث إن شهرة هذه الشركات كفيلة بجذب شركات أخرى لميدان العمل."